الشعر النبوي فى حضرة ومحظرة الشرفاء الصعيديين (3)

فضيلة الشيخ بن حمَّ الصعيدي
...وفى المَقْطع المُوالي يمشي ابن حمَّ خالعا نعليْه،مُبتغِيا مكان موطئ قدَم رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ ويا حبّذاذالك الأثَرُ الأغرُّ.. 
ذو البَرَكة السابغة؛يَمشِي وينظر فى أرْجاء المدينة المُنوّرة، كَلِفَ الفؤاد،مُدّكِراعصر إمام الرُّسْل، يمشِي ويرفُل فى تذْكار تلك الأزمنة الخالدة،ودموعه على خدَّيه؛مُنهمِرة شوقاإلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم...!
فبُوركتَ يابن حمَّ، ولله مَواجِيدُك،وما أصدق قِيلَك،وماأروعَ سبيلَك..!


يمشِي كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ماثلٌ أمامه،بِشَخْصِه الشريف،حواليه زُمَرٌ من أصحابه البررة،رضوان الله تعالى عليهم؛فتتكشّف أمامَه،أحوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛فطورا هُو يُجَهِّزُ للجهاد جيشا،وتارةً حوله نَفَرٌ يتلو عليهم كتاب الله عزّ وجلّ؛ غضًّاوالصّحابةُ مُعْتبِرين،مُتَحَقِّقِين،وتارةً فى حديثٍ حُسنُ مَنطقه كما اللُّؤلؤ المكنون منثورُ..وتارةً يراهُ بين الصّحب طلعتُه المُشرِقةُ البهِيةُ تُخْجِل الشّمْس،فيزدهرالجوّ منهاإشراقامبينا!!

نعَمْ!!ما أصدقَك ياشيخي وماأرقّ بيانَك!!
أُرَدِّدُهُ معكَ، وكأنّي أخالك الصّحابيّ الجليل، والعَلم الشامخ عبد الله بن عُمَر رضِي الله عنهما؛فَما ذكَرتُه إلا ذكرتك،مِن شِدّة حِرْصِكَ على اتّباع النبي صلّى الله عليه وسلّم؛قولا وفعلا !!


كما أذكر فيكَ الإمام مالِكا وحُبّه العميق ،وتأدُّبَه الرّفيع،مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم،فَلِلّهِ درُّكم ياعلماء الأمّة وياوارثي الأنبياء..

أمْشِي بِها خالِعا نَعْلَيَّ مُبتغِيا؛ مكان مَوْطئه ياحبّذا الأثَرُ
أمشي وأنظُر فى أرجائها كلِفا؛ للعَصْرِ عصر إمام الرُّسْلِ أدّكِرُ
أمشِي وأرفلُ فى تَذْكارِ أزمُنه؛ والدّمْعُ مِنّي على الخدّينِ مُنحدِرُ
أمشي كأني أرى خير الأنام بها؛ وفِى حواليْهِ مِن أصحابه زُمَرُ
طورا يُجَهِّزُ جيشا للجهاد به؛ وتارةً حولَهُ مِن صحْبه نَفَرُ
يتلو كتابًا عليه اللهُ أنزلهُ؛ غضّا بآياته الأصحابُ تعتبِرُ
وتارة فِى حديثٍ حُسْنُ مَنْطِقه؛ كأنّه اللُّؤْلُؤُ المَكنونُ ينتشِرُ
وتارةً ثَمَّ بين الصحْبِ طلْعتُه؛ قد فاقت الشَّمْسَ مِنها الجوُّ مُزْدَهِرُ 
...


كأنّك وراءَ كُلِّ بيتٍ؛ومع كُلِّ شطْرٍ؛ تَعِيشُ عهدَ سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،بإشراقاته، وكمَالاتِه،فى كلِّ أوقاتِه ولَحظاتِه..
ولَعمْري لَهْيَ الغاية المَنشودة مِن مديحه صلى الله عليه وسلّم...


وبعدَ هذا التّطواف الزكيِّ فى العهْد النبويِّ يصِفُ لنا سيدَنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،ويُعطينا بإلْماحةٍسريعةٍطائِفةً مِن شمائلهِ الكامِلة،خَلْقا وخُلُقا؛بادئا بإعْلامنا أنّ الله فضّلهُ على كلّ الخلائق مَن يأتوا ومَن غبَرُوا..
فَخَلائقه صلّى الله عليه وسلّم، عسَلٌ مُصَفًّى، ومَباسمه دُرٌّ يَتلأْلأُ، 
والعِبَرُ كلُّها تَتَجَلّى فى حُسن صورته،عليه أكملُ صلاة، وأتمُّ سلام، 
ووجهُه الأزْهَرُ الأنْورُ الأبْلجُ يَفوقُ الشمْس طالعةً، تسْتنيرُ به الأكوانُ والأعصار..
ونُطْقُه الشريف رائقٌ،عَذْبُ المَقَال،وبلاغتُه قصُرتْ عن مُجاراتها فُصحاء اللُّسْن وعجَزُوا!!
وما شجاعتُه إلا العَجَبُ،يَتقدّمُ وهو الغَوثُ الشجاع؛حيثُ المِغوار اعترَاهُ الخوف والحذَرُ!!
"كُنّا إذا احمرّت الحِدقُ؛اتّقيْنابرسول اللّه صلى الله عليه وسلّم؛قال فى مشارِق الأنوار:..."كان مُقدّمهمْ،والحامي دونهم، لفرْط إقدامه وشجاعته"صلّى الله عليه وسلم..
وما هو إلا بحر جود مُلْتطِمُ الأمْواجِ لا كالبحار،وغيثُ نورٍ هنيئٌ مريئٌ
على هذا الكون مُنهَمِرٌ!! (وما أرسلْنٰكَ إلاّ رحمةً للعالمين)..
وفى أبياتٍ ثلاث يُلخِّصُ لنا حديث الشفاعة الصّحيح، الذي رواه البخاريّ ومُسْلم؛فَهُوَ المُشَفَّعُ فى ذالك اليوم العظيم، وكلُّ رُسْل الله عزّ وجلّ يعتذرون؛آدم،نوحٌ،إبراهيمُ،مُوسى،عيسى،عليهم السلام..
ونبيُّ الله مُحمّد عليه صلوات الله وسلامه؛ثَمَّ يقول:"أنا لها"
وفى مُحَيّاهُ الأنوارُ تزدهرُ،وفضْلُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَبْدُو علَنا،ثُمَّ يُرسله مثَلاً،وفضْلُ أحمدَ بادٍ ليسَ يستتر!!
فَطِيبي يامَسامِعُ بِمديحِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم،مِن أحَدِ أبنائه؛ووُرّاثه،وردِّدِي للزّمان،للمكان،قوله:


ذاكَ الرسولُ الذي الرّحمٰن فَضّلَهُ.. على الخلائق مَن ياتوا ومن غَبَروا
شُهْدٌ خلائقُه، دُرٌّ مَباسِمُهُ .. مِن حُسْنِ صورتِهِ تبدو لك العِبَرُ
فالوجهُ منه يفوقُ الشمس طالعةً.. قد استنارت به الأكوانُ والعُصُرُ
ونُطْقُهُ رائقٌ، عذْبٌ بلاغَتُهُ.. مِن دُونِها فُصَحاءُ اللسْن قد قصُروا
غوثٌ شُجاعٌ وفى إقدامه عجَبٌ..حيثُ الشجاع اعْتَراهُ الخوف والحَذَرُ
وبحرُ جود يفوق البَحْرَ مُلتطِما.. وغيثُ نورٍ بِهذا الكونِ مُنهمِرُ
هُوَ المُشفَّعُ فى اليوْمِ العظيمِ إذَا؛ عنِ الشّفاعةِ رِيءَ الرُّسْلُ تعتذِرُ
يقول إذْ ذاكَ بين العالمِين أنا؛ لَها وفى وجْهِه الأنوارُ تزدهِرُ
وفضْلُه ثَمَّ يبدو بينهُمْ علَنا، وفضْلُ أحمدَ بادٍ ليس يستَتِرُ...



ألا إنّه هو الرسول العامّةُ رِسالتُه، سُكّانَ المَعمورة كلِّها؛بدْوًا وحضَرا،فلقد قام يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ؛أهل الكفر والضلال، وهم فى أعتى ضلالة، حتى هدى الله عزّ وجلّ به أهل الفلاح، وانكسر جَمْعُ ذِي الطغيان..لقد دعا إلى المَحجّة البيضاء، والسّمْحة الغرّاء، واضحةً كالصُّبح، سناه ينتشِرُ أبَدَ الآبدين!!
ولَمّا لجَّ أهلُ الغيّ والعَمَى؛فى ضلالتهم يعْمهون، وامتنعوا عمدا وما ازدجَروا، وقد مكث فيهم ثلاث عشْرة سنةً؛إنتضى السيف، وجالدهُم به، حتّى أصبح أهلُ الحقِّ ظاهرين!
فرُد
َّ الكفرُ على أعقابه ذليلا مُنحدِرا،ولا يزال بحمد اللهِ على أعقابِهِ ينحدرُ!!
هو الرسول الذي عمّت رسالتُه؛ سُكّان بدْوٍ، ومَن قد حازَهُ الحَضَرُ
قد قامَ والناسُ فى أعْتى ضلالتِهِمْ؛ يدعو إلى الله؛مَن ضلُّوا ومَن كَفَرُوا
حتّى هدى الله مِنهمْ مَن هداهُ بِهِ؛ كما بدا جَمْعُ ذِي الطُّغْيان ينكسِرُ
دعا إلى السّمحةِ البيضاءِ واضِحةً؛ كالصُّبحِ نورُ سناها الدّهْرَ ينتشِرُ
فضَلّ أهل العمى عن ذاكَ وامتنعوا؛عمْدًا؛وإذْ زُجِرُوا عن ذا فما انزَجَروا
مازالَ يلقاهُمُ بالسيف مُنتَضِيا؛ حتى بدا أنّ أهل الحقِّ قد ظهَرُوا
والكفْرُ رُدَّ على عُقْباهُ مُنحدِرًا ؛ فلا يزالُ على عُقْباهُ ينحدِرُ


ثُمَّ يَلِجُ إلى معجزات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ببيانِ العالم الثّبت،لِيروي لنا طرَفًا مِن مُعجزاته الشريفة؛التي ما رآها العقل إلاّ انبهَرَ لجَلالِها، وخضَع لسُلْطانِها!!
فالبدرُ شُقَّ بنصِّ القرآن وصحيح الأخبار؛( إقتربت الساعة وانشقَّ القمر)ولقد روى البخاريُّ رحمه الله ونفعنا بعلمه وصلاحه :
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: إنشق القمر على عهْدِ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرقتين؛فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:إشْهدُوا !!
وحديثُ حنين الجِذع كما قال قال عياضٌ رحمه الله وطيّب ذِكره:
مَشهورٌ مُنتشِرٌ، والخبر به مُتواتِرٌ، قد خرّجه أهل الصحيح، ورواه عن الصحابة بضعة عشر...
قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه كما فى البخاري :
كان المَسجِدُ مسْقُوفا على جُذوع نخل؛فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم إذا خطب يقوم إلى جِذع منها، فلمّا صُنع له المِنبر سمِعنا لذالك الجِذع صوتا كالعِشار،(النوق الحوامل)
وفى رواية أنس رضي الله عنه:
حتّى ارْتجَّ المسجِد بخُواره!!
ثُمَّ يُعلِّقُ القاضي عياض رحمه الله؛بعد أن سبَرَ الرِّوايات،ومحّصها:
فهذا حديث كما تراه خرّجه أهل الصحّة، ورواه عن الصحابة مَن ذكَرْنا، وغيرهم من التابعين، ضِعْفُهم، إلى مَن لم نذكره، وبِمَن دون هذا العدَدِ؛يَقَعُ العِلم؛لِمن اعتنى بهذا الباب، والله المُثَبِّتُ على الصواب!
وتسبيحُ الحَصى....
(يتواصل إن شاء الله)